سورة محمد - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (محمد)


        


قوله تعالى: {ومنهم مَنْ يَسْتَمِعُ إِليكَ} يعني المنافقين. وفيما يستمعون قولان:
أحدهما: أنه سماع خُطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم يومَ الجمعة.
والثاني: سماع قوله على عموم الأوقات. فأمّا {الذين أوتوا العلم}، فالمراد بهم: علماء الصحابة.
قوله تعالى: {ماذا قال آنفاً} قال الزجاج: أي: ماذا قال الساعة، وهو من قولك: استأنفتُ الشيء: إذا ابتدأتَه، وروضة أُنُف: لمن تُرْعَ، أي: لها أوَّل يُرْعى؛ فالمعنى: ماذا قال في أوَّل وقت يَقْرُبُ مِنّا. وحُدِّثْنا عن أبي عمر غلامِ ثعلب أنه قال: معنى {آنفاً} مُذْ ساعة. وقرأ ابن كثير، في بعض الروايات عنه: {أَنِفاً} بالقصر، وهذه قراءة عكرمة، وحميد وابن محيصن. قال أبو علي: يجوز أن يكون ابن كثير توهَّم، مثل حاذِر وحَذِر، وفاكِه وفَكِه وفي استفهامهم قولان:
أحدهما: لأنهم لم يَعْقِلوا ما يقول، ويدُلُّ عليه باقي الآية.
والثاني: أنهم قالوه استهزاءً.
قوله تعالى: {والذين اهْتَدَوْا} فيهم قولان:
أحدهما: أنهم المسلمون، قاله الجمهور.
والثاني: قومٌ من أهل الكتاب كانوا على الإِيمان بأنبيائهم وبمحمد صلى الله عليه وسلم، فلمّا بُعث محمدٌ صلى الله عليه وسلم آمَنوا به، قاله عكرمة.
وفي الذي زادهم ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه الله عز وجل.
والثاني: قول الرسول.
والثالث: استهزاء المنافقين زاد المؤمنين هُدىً، ذكرهن الزجاج. وفي معنى الهُدى قولان:
أحدهما: أنه العِلْم.
والثاني: البصيرة.
وفي قوله: {وآتاهم تقواهم} ثلاثة أقوال.
أحدها: ثواب تقواهم في الآخرة، قاله السدي.
والثاني: اتِّقاء المنسوخ والعمل بالناسخ، قاله عطية.
والثالث: أعطاهم التقوى مع الهُدى، فاتَّقَوْا معصيته خوفاً من عقوبته، قاله أبو سليمان الدمشقي.
و {ينظُرونَ} بمعنى ينتظِرون {أن تأتيَهم} وقرأ أُبيُّ بن كعب، وأبو الأشهب، وحميد: {إِنْ تَأْتِهم} بكسر الهمزة من غير ياء بعد التاء. والأشراط: العلامات؛ قال أبو عبيدة: الأشراط: الأعلام، وإِنما سمِّي الشُّرط فيما تَرى لأنهم أعلموا أنفُسهم. قال المفسرون: ظُهور النبيِّ صلى الله عليه وسلم من أشراط الساعة، وانشقاقُ القمر والدخانُ وغير ذلك.
{فأنَّى لهم} أي: فمِن أين لهم {إِذا جاءتْهم} الساعة {ذِكْراهم}؟! قال قتادة: أنَّى لهم أن يَذَّكَّروا ويتوبوا إِذا جاءت؟!.


قوله تعالى: {فاعْلَمْ أنه لا إِله إِلاّ اللهُ} قال بعضهم: اثْبُتْ على عِلْمك، وقال قوم: المراد بهذا الخطاب غيره؛ وقد شرحنا هذا في فاتحة الأحزاب. وقيل: إِنه كان يَضيق صدرُه بما يقولون، فقيل له: اعْلَمْ أنه لا كاشفِ لما بِكَ إِلاّ اللهُ.
فأمّا قوله؛ {واستَغْفِر لِذَنْبِكَ} فإنه كان يَستغفر في اليوم مائة مرة، وأُمر أن يستغفر للمؤمنين والمؤمنات إِكراماً لهم لأنه شفيعٌ مُجابٌ.
{واللهُ يَعْلَمُ متقلَّبَكم ومَثْواكم} فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: مُتقلَّبكم في الدنيا ومثواكم في الآخرة، وهو معنى قول ابن عباس.
والثاني: مُتقلَّبكم في أصلاب الرجال إلى أرحام النساء، ومقامكم في القبور، قاله عكرمة.
والثالث: {مُتقلَّبكم} بالنهار و{مثواكم} أي: مأواكم بالليل، قاله مقاتل.
قوله تعالى: {ويقول الذين آمَنوا لولا نُزِّلَتْ سُورةٌ} قال المفسرون: سألوا ربَّهم أن يُنزل سُورةً فيها ثواب القتال في سبيل الله، اشتياقاً منهم إلى الوحي وحِرصاً على الجهاد، فقالوا: {لولا} أي: هلا؛ وكان أبو مالك الأشجعي يقول: لا هاهنا صلة، فالمعنى: لو أُنزلتْ سورة، شوقاً منهم إِلى الزيادة في العِلْم، ورغبةً في الثواب والأجر بالاستكثار من الفرائض.
وفي معنى {مُحكَمة} ثلاثة أقوال.
أحدها: أنها التي يُذْكَر فيها القتال، قاله قتادة.
والثاني: أنها التي يُذْكَر فيها الحلال والحرام.
والثالث: التي لا منسوخ فيها، حكاهما أبو سليمان الدمشقي.
ومعنى قوله: {وذُكِرَ فيها القتالُ} أي: فُرِضَ فيها الجهاد.
وفي المراد بالمرض قولان:
أحدهما: النفاق، قاله ابن عباس، والحسن، ومجاهد، والجمهور.
والثاني: الشكّ، قاله مقاتل.
قوله تعالى: {ينظُرونَ إِليك} أي: يَشْخَصون نحوك بأبصارهم ينظرون نظراً شديداً كما ينظُر الشاخص ببصره عند الموت، لأنهم يكرهون القتال، ويخافون إِن قعدوا أن يتبيَّن نفاقُهم.
{فأَوْلَى لهم} قال الأصمعي: معنى قولهم في التهديد: {أَوْلَى لكَ} أي: وَلِيَكَ وقارَبَك ما تَكْره. وقال ابن قتيبة: هذا وَعِيدُ وتهديد، تقولُ للرجُل إذا أردتَ به سوءاً، فَفَاتَكَ أوْلَى لكَ، ثم ابتدأ، فقال: {طاعَةٌ وقَوْلٌ مَعْرُوفٌ...} وقال سيبويه والخليل: المعنى طاعةُ وقولٌ معروفٌ أمثل. وقال الفراء: الطاعةُ معروفةٌ في كلام العرب، إِذا قيل لهم: افعلوا كذلك، قالوا: سَمعٌ وطاعةٌ، فوصف اللهُ قولَهم قبل أن تنزل السُّورة أنهم يقولون: سمعٌ وطاعة، فإذا نزل الأمر كرهوا. وأخبرني حبان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: قال الله تعالى: {فأولى}، ثم قال: {لهم} أي: للذين آمنوا منهم {طاعةٌ} فصارت أَوْلَى وعيداً لِمَن كَرِهها، واستأنف الطاعة ب {لهم}؛ والأول عندنا كلام العرب، وهذا غير مردود، يعني حديث أبي صالح. وذكر بعض المفسرين أن الكلام متصل بما قبله؛ والمعنى: فأَوْلَى لهم أن يُطيعوا وأن يقولوا معروفاً بالإِجابة.
قوله تعالى: {فإذا عَزَمَ الأمْرُ} قال الحسن: جَدَّ الأمْرُ. وقال غيره: جَدَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأصحابُه في الجهاد، ولَزِمَ فرضُ القتال، وصار الأمر معروفاً عليه. وجواب {إذا} محذوف تقديره: فإذا عَزَمَ الأمْرُ نَكَلُوا؛ يدُلُّ على المحذوف {فلَوْ صَدَقُوا اللهَ} أي: في إِيمانهم وجهادهم {لكان خَيْراً لهم} من المعصية والكراهة.


قوله تعالى: {فهل عَسَيْتُمْ إِن توليتم} في المخاطَب بهذا أربعة أقوال.
أحدها: المنافقون، وهو الظاهر.
والثاني: منافقو اليهود، قاله مقاتل.
والثالث: الخوارج، قاله بكر بن عبد الله المزني.
والرابع: قريش، حكاه جماعة منهم الماوردي.
وفي قوله: {تولَّيتم} قولان:
أحدهما: أنه بمعنى الإِعراض فالمعنى: إِن أعرضتم عن الإِسلام {أن تُفْسِدوا في الأرض} بأن تعودوا إِلى الجاهلية يقتل بعضكم بعضاً، ويُغِير بعضكم على بعض، ذكره جماعة من المفسرين.
والثاني: أنه من الوِلاية لأُمور الناس، قاله القرظي. فعلى هذا يكون معنى {أن تُفْسِدوا في الأرض}: بالجَوْر والظُّلم.
وقرأ يعقوب: {وتَقْطَعوا} بفتح التاء والطاء وتخفيفها وسكون القاف. ثم ذَمَّ من يريد ذلك بالآية التي بعد هذه.
وما بعد هذا قد سبق [النساء: 82] إِلى قوله: {أَمْ على قُلوب أقفالُها} {أَمْ} بمعنى بَلْ، وذِكْر الأقفال استعارة، والمراد أن القَلْب يكون كالبيت المُقفَل لا يَصِلُ إِليه الهُدى. قال مجاهد: الرّان أيسرُ من الطَّبْع، والطَّبْع أيسرُ من الإِقفال، والإِقفال أشَدُّ ذلك كُلِّه. وقال خالد بن معدان: مامِنْ آدميٍّ إِلاّ وله أربعُ أعيُنٍ، عَيْنان في رأسه لدُنياه وما يُصْلِحه من معيشته، وعَيْنان في قَلْبه لِدِينه وما وَعَد اللهُ من الغَيْب، فإذا أراد اللهُ بعبد خيراً أبصرتْ عيناه اللتان في قلبه، وإِذا أراد به غير ذلك طمس عليهما، فذلك قوله: {أَمْ على قُلوب أقفالُها}.
قوله تعالى: {إِنَّ الذين ارتَدُّوا على أدبارهم} أي: رجَعوا كُفّاراً؛ وفيهم قولان:
أحدهما: أنهم المنافقون، قاله ابن عباس، والسدي، وابن زيد.
والثاني: أنهم اليهود، قاله قتادة، ومقاتل. {مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الهُدَى} أي: مِنْ بَعْدِ ما وَضَحَ لهم الحقُّ. ومن قال: هم اليهود، قال: مِنْ بَعْدِ أن تبيّن لهم وصفُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ونعتُه في كتابهم و{سَوَّلَ} بمعنى زيَّن. {وأَمْلَى لهم} قرأ أبو عمرو، وزيد عن يعقوب: {وأُمْلِيَ لهم} بضم الهمزة وكسر اللام وبعدها ياء مفتوحة. وقرأ يعقوب إِلاّ زيداً، وأبان عن عاصم كذلك، إِلاّ أنهما أسكنا الياء. وقرأ الباقون بفتح الهمزة واللام. وقد سبق معنى الإِملاء [آل عمران: 178] [الأعراف: 183].
قوله تعالى: {ذلك} قال الزجاج: المعنى: الأَمْرُ ذلك، أي: ذلك الإِضلال بقولهم {للذين كَرِهوا ما نَزَّلَ الله} وفي الكارهِين قولان:
أحدهما: أنهم المنافقون، فعلى هذا في معنى قوله: {سنُطيعُكم في بعض الأَمْر} ثلاثة أقوال.
أحدها: في القُعود عن نُصرة محمد صلى الله عليه وسلم، قاله السدي.
والثاني: في المَيْل إِليكم والمظاهرة على محمد صلى الله عليه وسلم.
والثالث: في الارتداد بعد الإِيمان، حكاهما الماوردي.
والثاني: أنهم اليهود، فعلى هذا في الذي أطاعوهم فيه قولان:
أحدهما: في أن لا يصدِّقوا شيئاً من مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قاله الضحاك.
والثاني: في كَتْم ما عَلِموه من نُبوَّته، قاله ابن جريج.
{واللهُ يَعْلَمُ إِسرارَهم} قرأ حمزة، والكسائي، وخلف، وحفص عن عاصم، والوليد عن يعقوب: بكسر الألف على أنه مصدر أسْرَرْتُ؛ وقرأ الباقون: بفتحها على أنه جمع سِرٍّ والمعنى: أنه يَعْلَم ما بين اليهود والمنافقين من السِّرِّ.
قوله تعالى: {فكيف إِذا توفَّتْهم الملائكةُ}، أي: فكيف يكون حالُهم حينئذ؟ وقد بيَّنّا في [الأنفال: 50] معنى قوله: {يَضْرِبونُ وجوهَهم وأدبارَهم}.
قوله تعالى: {وكَرِهوا رِضْوانَه} أي: كَرِهوا ما فيه الرِّضوان، وهو الإِيمان والطاعة.

1 | 2 | 3